المشاركون: إيدن، جود، ليلى، نهلة، نُوا، جورج


بدأت رحلتنا في غابة بعبدا. كلُّ صباح، عندما يصل الأطفال إلى مدخل الغابة، يلاحظون السكك الحديدية ويمشون في مسارها بينما يتقافزون بين الراقِدات المَعدَنية. سرعان ما تطوَّر هذا الروتين المَرِح إلى تساؤلات جَدّية.
نشأَت العديد من الأسئلة: ”مِن أين يأتي القطار؟“، ”إلى أين يذهب؟“، ”من يركَب القطار؟“، ”هل هو قطار حقيقي؟“.
على مَدار عِدّة أسابيع، خُضنا رحلة لِنَجد مفاهيم أساسية نبني عليها بَحثَنا. الأسئلة المتعلقة بالقطار تناولَت مواضيع الاتصال والعلاقات والسرعة والمسافة والوقت. صمّمنا تجارُب انغِماسية تضُمّ السردِيّات والصُوَر والخرائط والكُتُب والفيديوهات والرحلات الميدانية، والأهم كان المرَح والخيال.
خطوة البداية كانت كتابة قِصة ”مَنتورة وسامي“، المبنية على أسطورة ”فأر الريف وفأر المدينة“. تتمَحوَر القصة حول دَور القطار في تحقيق العلاقة بين الفأرَين. السفَر عبر القطار سَمَح لكلّ من الفأرين أن يستكشف العالَم خارج بيئته. من خلال السَّرد، يتم وصف رحلة القطار من بعبدا إلى بيروت.

”تنظر <منتورة> من النافذة إلى الخارج، وتُحدِّق بالأشجار وهي تلوح بأغصانها. مع الوقت، بدأَت تصبح الأشجار قليلة وتَكثُر المباني العالية التي تلامس السماء. يمرّون إلى جانب حُرش بيروت، ثم المنارة بالقرب من الكورنيش التي تنادي السفن إلى الشاطئ، ثم عبر شارع الحَمْرا حيث تُعرضُ أفضل الأفلام، ثم عبر ساحة الشهداء، ثم عبر أسواق وسط المدينة، والجمَّيزة بمبانيها الحَجَرية القديمة.
شاغا شاغا شاغا، شوو! شوو! يَصِلون إلى محطة القطار في مار مخايل.“
بعدها، دَعَونا الأطفال ليشاركوا في إنشاء نموذج القطار لنستخدمه في القصة. أصبحت القصة هي الخلفية التي نبّهَت الأطفال إلى النواحي التاريخية والجغرافية، بينما تُثير فضولهم حول ما كان في الماضي وما لايزال موجودًا اليوم. عكَسَت رسومات الأطفال منظورهم الفَرِح وفهمهم الفكاهي لفكرة السفر ورحلات القطار.
كنّا ننتقل بين السيناريوهات الخيالية والاحتمالات الواقعية، مما ساهَم في إثارة فضول الأطفال حول القطار، وبدأوا يشعرون بالحاجة المُلِحّة ليفهموا ويعرفوا الحقيقة وراء غياب القطار، وهو أمر غامض وغير مفهوم بالنسبة لهم.
أصبحت أسئلة الأطفال هي الخطوات الأولى في البحث الطويل والمُعمَّق عن قِصة القطار المَخفيّة والمَنسيّة.
جورج: ”وَيْنو، فِينا نشوفه؟“
مهى: ”هو بمحطة القطار بمار مخايل.“
جود: ”فينا نركَب فيه ونمشّيه؟“
جورج: ”مِنشوفه مِن جُوّا. كيف وليش انكَسَر وليش وَقَّف يمشي.“
جود: ”مِن وِين بِبَلِّش ولَوَين كان يروح؟“
إيدن: ”كيف هِيك؟ ببعبدا مِنْشوف السكة وما مِنْشوف القطار، وبِمار مخايل منشوف القطار بس ما مِنْشوف السكة؟“
مراجعة خريطة بيروت

هنا أخَذْنا خطوة للوراء، وخلقنا السياق الذي يُوضِّح للأطفال العلاقة بين الأماكن والجغرافيا. جلَبَ الأطفال معهم صُوَر الأحياء التي يسكنون فيها، ووَضَعوها على خريطة بيروت، وحدّدوا الأماكن التي مرّ بها <منتورة> و<سامي> أثناء رحلتهم.
فَهِم الأطفال حينها كيف ترتبط الأماكن عبر مسارات السفر، واكتسبوا مهارات قراءة الخرائط.
تتبُّع مسار السكة الحديدية في بعبدا
بما أن الرحلة بدأت من السكة الحديدية في بعبدا، كان من الضروري أن نتتبَّع المسار، وأصبحت السكّة الحديدية مكانًا مليئًا بالمغامرة والبحث والخيال. لاحظنا علاقة كل طفل بالمكان وتجربته الخاصة فيه، بينما كان يَصِف الصُوَر التي جاءت في ذهنه.


”هذه عواميد الأضواء التي كانت تُنير الطرقات المظلمة كي يَمُرّ القطار. نَمَت الأشجار والأعشاب على السكة الحديدية لأن القطار توقّف منذ زمن بعيد.“
”أخذ الناس الخردوات الحديدية وصنعوا بها أشياء أخرى…“
”هذا المسار يَصِل إلى بيت نهلة.“
”هيا نصنع خريطة لمسار القطار!“
تداخلت الرسومات ببعضها وصنعت تركيبة من الوقائع غير المرتبطة، أدت في النهاية إلى الكشف عن القصة الحقيقية. اقتراح الأطفال بأن نَصنَع خريطة مهَّد الطريق إلى الخطوة التالية.
لِكَي نعطي القصة حياة، كان علينا أن نعيد بناءها. حدّدنا مع الأطفال العناصر الضرورية للقصة، وبدأنا العمل!
أين ومتى؟ (المكان والزمان)
في غابة بعبدا، استخدم الأطفال أرض الغابة بمثابة لوحة فارغة ليبنوا عليها خريطة ثلاثية الأبعاد لطريق بيروت-دمشق. حدّدوا اتجاه البحر، ثم بَنوا بيروت، والسلسلتَين الجبليتَين اللبنانيتَين بينهما وادي البقاع، ومدينة دمشق. ثم وضعنا صُوَر المحطات المهمة التي مرّ بها القطار. استخدم الأطفال حَبْلاً ليرسموا به السكة الحديدية ومسار القطار.





بعد أن انتهينا من تجهيز المكان، عرّفنا الأطفال على قصّة المُغامِر والمُسافِر <هاري أ. فرانك> الذي أخذ القطار من دمشق إلى بيروت ووَصَف ما رآه في الطريق. رَسَم <فرانك> بِوَصفِه صورة للتضاريس بين بَرَدى (دمشق) وبيروت. امتلأت أعيُن الأطفال بالحماس، إِذ شعروا أن القصة بدأت تصبح واقعية.
يكتب <فرانك>: ”بدأ القطار يتسلَّق حافة الشقّ العظيم حتى أصبحنا وسط السحاب. مع أننا في بداية شهر مايو/أيار، لا يزال الطقس باردًا وقاسيًا في هذا المكان…“
”نفقٌ طويل – بِدون أية إضاءة داخل القطار. ولكن الركاب معهم أعواد الكبريت والشمع، إذا تجرّأ أي شخص على السرقة…“
من؟
بعد أن صنعنا الخريطة واستمعنا إلى القِصص عنها، أضاف الأطفال الحياة إلى شخصية القطار.

”اسمه <راستي قطار التْشُو تْشُو>. إنه قطار ذكي ومحظوظ. كان سعيدًا جدًا لأنه استطاع أن يزور العديد من الأماكن، ولكنه الآن مستاءٌ لأنه وحيد. كان النشاط المفضل عند <راستي> هو مشاهدة الأنهار والأشجار والنباتات، والالتقاء بالقطارات الأخرى على الطريق. كان يحب أن يشعر بالهواء، وكان يأكل الحطب والزيت والفحم. اليوم، هو يسكن في جراج في محطة مار مخايل في بيروت، ويشتاق إلى التجوُّل. وهو يشتاق أيضًا لأمه وأبيه وأخته. أصبح <راستي> الآن أبًا لِجَدٍّ لِجَدّ.
ما الذي حَدَث؟ لماذا توقَّف القطار؟
كانت محطة مار مخايل آخر محطة لنا! التقينا هناك باثنين من الأمهات في مجموعتنا، <عبير> و<جِنان>، لنرى القطار معًا ونعرف ما حدث له.


أرشدتنا <عبير> ونحن نرى المكان، وأخبرَتنا عن الوجهات الثلاث للسِكّة الحديدية، التي تربط بين لبنان وفلسطين وبين لبنان وسوريا. أرَتْنا المحطة حيث كان الرُكّاب يشترون التذاكر وينتظرون القطار.

عبّرَت حركة أجساد الأطفال وأقوالهم بشكل التأثير الكبير لهذا التفاعُل مع القطار عليهم. لاحظنا الاندهاش والاهتمام في تعبيراتهم، وكأنهم يحاولون استيعاب كل هذه المعرفة والإدراك الواسع، ويحاولون أن يفهموا العلاقة بين الواقع وخيالاتهم التي تعلّقوا بها.


”هيا لِنَدخُل القطار!“
دخل الأطفال إلى إحدى القطارات. كانوا متحمسين جدًا وحاولوا أن يفهموا أين مكان الرُكاب وأين مكان السائق. فحصوا المساحة الداخلية وأدهَشَهم هذا ”الكيان“ المَعدَني العملاق. كانوا يسألون: ”كيف كان يرى السائق الطريق؟ أين نافذته؟“



مثّلت <عبير> و<جنان> دور آخر ثلاثة سائقين لآخر ثلاث رحلات عبر تلك المسارات الثلاثة، وسَرَدوا قِصصهم من منظور السائقين.
”الحرب أوقفَت القطار عن السفر“.
بسبب الحب والتعاطُف لدى الأطفال، كان من الصعب عليهم أن يفهموا كيف أن شخصًا لم يكترِث لأمر هذا القطار المَرِح والمُشوِّق، وكيف سمحوا بتدميره. ظلّوا يسألون:
”لماذا كسَر الناس القطار؟ ما الذي جعلهم يفعلون ذلك؟“
الأرجح أن يظل هذا السؤال بلا جواب عند الأطفال لوقتِ طويل.

قِصة جديدة، نهاية جديدة
بعد أن سمعوا قِصة القطار، كان للأطفال ردّات فعل مختلفة. تقبَّل البعض مصير القطار، والبعض الآخر كان مستاءً جدًا. كانت هذه اللحظة المثالية لِنَدعوهم لأن يعيدوا كتابة نهاية مختلفة لقصة القطار، ويعطوه حياةً جديدة.
خلق الأطفال قِصة جديدة لـ<راستي قطار التْشُو تْشُو> باستخدام طفولتهم وخيالهم. كلّ منهم أعطى القطار حياة جديدة ووجهات جديدة وبعيدة.
مع كلّ شيء، هناك دائمًا احتمال للنهايات السعيدة!
ليلى

ذهب القطار إلى ألمانيا. <ميريم> و<نهلة> و<كَلاني> و<رومان> و<نُوا> يركبونه. انضم إليهم أطفال آخرون. لا يوجد نهاية لقِصّتي.
25.06.2024
جورج

زيَّتوا القطار على دواليبُه ويْضَلٌّه يمشي. خَتْيَر وصَدّى وبَعدين صَلَّحوه ووُصِل على بعبدا. كان في عاصفة، اتكمَّش بالسكّة وضَلٌّه ماشي.
وُصِل على فرنسا وأخدوا تَوقيعُه ولَوَّنوه أسود وعملوا عِيد. والناس طُلعو بِقَلبه وبلّشوا يحَسنوه. وأصبح هيك!
25.06.2024
جود


كان يومًا مُمطِرًا، وكان رُكاب القطار سعداء. ذهب <راستي> إلى الإمارات حيث يسكُن جَدّي وجَدّتي، وألقى التحيّة عليهم. لم يجلب شيئًا معه، فقط ألقى التحيّة وعاد.
26.06.2024
نُوا

أعطى الناس درعًا للقطار. انتهى الأمر عندما أتى جيش، وحاول نزع الدرع عن القطار واستخدامه كمِطرَقة كبيرة ليدمّروه. لكنهم فشلوا والمطرقة انكسرت. يقول القطار عندما يسافر: ”دينغ دينغ دينغ دوووف دوووف.
25.06.2024
نهلة

أنا أقود القطار. <ليلى> و<إيدن> و<رومان> و<نُوا> و<جود> يركبونه. نحن ذاهبون إلى أسبانيا. سنشتري لحم الجامون ونقيم حفلة. القطار لديه ألوان كثيرة.
25.06.2024
إيدن

التْران وُصِل عَالبَرازيل. هُونيك لَوَّنُوه ذَهَبي. الناس بيُطْلَعوا فيه وبِيْسافروا. هِنّي مَبسوطين. بس يُوصَل التْران عالبرازيل بِيحُطّولُه العَلَم البرازيلي. وبَس يِرجَع على لبنان بِيحُطّولُه العَلَم اللبناني. وْهِيك… بِيضَل يْبَدِّل.
26.06.2024