مشروع الأعمدة التاريخية

المُشارِكين: دُنيا (6 سنوات)، إيلان (6 سنوات)، آيفي (6 سنوات)، ناي (6 سنوات)

المُنسِّقين: مهى موسى (المعلِّمة الرئيسية للروضة الثانية)، ووالِد الطفلة دُنيا، غسّان حلواني (فنان بصري ومُخرج أفلام)

في حُرش بيروت، يقضي الأطفال وقتًا طويلاً يلعبون في منطقة الأعمدة الأثرية. في خيالهم، تتحوَّل هذه الأعمدة المنسيّة إلى سُفُن وطائرات ومحلّات بيع البوظة. يجلسُ الأطفال على هذه الأعمدة ويتسلقونها ويتقافزون عليها، ويستكشفونها بكُلِّ حواسِهم وعوالمهم الداخلية الواسعة.

هذا المشروع هو سياق يسرِدُ فيه الأطفال قِصةً عن الحالة المُتغيِّرة دائمًا للوجود.

انطلقنا في رحلةٍ تَجمَع بين الماضي والحاضر لإعادة تصوُّر ماضٍ منسِيّ من وجهة نظر الأطفال وتخميناتهم لما كان موجودًا في ذلك الوقت.

كيف بدأ المشروع

أثناء رحلة إلى بعلبك، تعرّفت <دُنيا> على الثلاثة معابد، <باخوس> و<جوبيتِر> و<أفروديت>، وعلى مفهوم تقدمة القرابين للآلهة.

قرّرَت <دُنيا> تقديم القربان للإله باخوس. رسمَت <باخوس> وعناقيد العنب وكؤوس النبيذ، ووضعت الرسومات في فتحة في جدار المعبد الذي اختارَت أن تعتبرها فتحة لإرسال الرسائل للآلهة.

عندما ذهبَت إلى حُرش بيروت بعد ذلك، بدأَت تتساءل عن الأعمدة التي تلعب عليها مع أصدقائها. من أي معابد تأتي هذه الأعمدة؟ وإلى أي إله تنتمي؟

المرحلة الأولى: دراسة العَيّنات الأثرية

دَرَس الأطفال الأعمدة من خلال معاينة الحجم واللّون والملمس والشكل.

الحجم

مواد المُعاينة: مشابك الورق الكبيرة، ورق الملاحظات اللاصق

استخدَم الأطفال مشابك الورق الكبيرة كَوِحدة قياس، وقاموا بقياس القُطر لمُختَلَف الأعمدة. ثُم وَضَعوا ورق الملاحظات اللاصق من نفس اللّون على كل الأعمدة ذات نفس الحجم وَدوَّنوا نتائج دراستهم.

الملمَس

مواد المُعاينة: أوراق A4، أقلام رَسم 6B

استخدم الأطفال الورق وأقلام الرَسم للخربشة على أسطح الأعمدة من فوق الأوراق والحصول على ملمَس كلّ عامود.

اللّون

مواد المُعاينة: ألوان غواش (أبيض، أسود، أحمر، أصفر)، ورق كرتون، لوح حامِل للورق

اختار كلٌّ من الأطفال عامودًا وعايَن تفاصيل الألوان فيه. قاموا بمزج الألوان حسَب ملاحظاتهم، ثم رسموا بها أنماط اللّون التي لاحظوها في الأحجار.

أثناء معايَنة النتائج، لاحَظ الأطفال قِطَع مختلفة من الأحجار عليها بعض النقش. رسموا الأحجار كما رؤوها وناقشوا أنماط النقش التي لاحظوها. كما لاحظوا علامات معدنية للأحرف BCD.

ماذا تعني BCD؟ هل هو رمزٌ يدلُّنا على مكان ما؟

اقترح الأطفال كلمات تبدأ بهذه الأصوات.

BCD
بحرCATSDIAMOND
بترونCDديبالا
بيروتSEAدُنيا
باباكميروندنمارك
برشلونةCENTERDA’ROU’
كندادترويت

وبعد مناقشة الاحتمالات المعقولة من بين اقراحات الأطفال والرجوع للتجربة، قرّر الأطفال أن يبدؤوا بالكلمتين ”بيروت“ و“سنتر“ لتتبُّع الأعمدة وإيجاد المزيد من الأدلّة للإجابة عن السؤال الأساسي.

المرحلة الثانية: البعثة

كانت الخطوة التالية زيارة وسط بيروت (بيروت سنتر) ومحاولة إيجاد أدلّة متعلقة بالأعمدة التي ندرسها. وبينما استكشف الأطفال منطقة وسط المدينة، وجدوا أمامهم موقع الحمّامات الرومانية الأثري. لكنّهم لم يجدوا هناك شيئًا مُماثِلاً للأعمدة التي عاينوها. بل وصفوا ما وجدوه بـ ”صحن كبير لعملاق يعتلي متاهة الأقزام“.

بعد الكثير من التأمل والمشاهدة، قالت <ناي> أن الكَومات الكثيرة المتشابهة من الأعمدة الطينيّة الصغيرة تُشير إلى أنها كانت تدعم طابقًا مرتفِعًا، وأدرَكَت أن الطابق المرتفع كان يُغطي المساحة بأكلمها.

ثُم بدأ الأطفال يربطون بين الأشياء ويتناولون الأفكار والاستنتاجات حَول تدرُّج المراحل مع الوقت، وهو أمرٌ يمكن وصفه بأنه ”عاموديّة“ التاريخ.

استنتج الأطفال أن مدينة بيروت التي نراها الآن قد تغيّرت عبر الزمن، ولم تعُد كما كانت. وأن الناس في قديم الزمان لم يستخدموا الباطون لبناء المُدُن، وأن كل حضارة استخدمت مواد مختلفة عن الأخرى.

في هذه المرحلة، أصبحت النقاشات متكررة ودائرية. بناءً على الموقع الذي زرناه والملصقات الأثرية التي كانت فيها الكثير من المعلومات، بدأ بحثنا يأخذ شكلاً أكثر وضوحًا.

تمشّينا في الشوارع نبحث عن المزيد من الأدلة والمعلومات. محطتنا الثانية كانت الموقع الأثري خلف كنيسة <سانت جورج> الأرثودوكسية. تفاجأ الأطفال بوجود الكثير من الأعمدة في هذا الموقع. تحمّسوا كثيرًا بهذا الاكتشاف وبدؤوا يطابقونها مع أعمدة الغرانيت والرخام والرمل التي عاينوها في حُرش بيروت. ولاحظوا أن الأحجام والأنماط التزيينية متطابقة إلى حدٍّ ما. كانت كل المواصفات موجودة!

وبعد النقاش مطوّلاً، والوصول إلى استنتاجات واستخدام الخرائط والمعلومات المتاحة في الموقع، اكتشف الأطفال أن الأعمدة لم تكن جزءًا من معبد، بل أنها كانت مرصوصة في شارع <كاردو ماكسيموس>. في عهد الرومان، كان الناس يسلكون هذا الشارع للوصول إلى البحر.

المرحلة الثالثة: الانجراف

رحلتنا إلى الماضي قد بدأت بإعادة تصوُّر وإعادة تكوين مساحة اختفت منذ زمن، حيث تخايلنا الموقع خلف كنيسة <سانت جورج> بدون مبانٍ. باستخدام البرامج الرقمية، رسمنا الموقع والمساحة كما نتصوّرها، من خلال إزالة المباني الحديثة. وبذلك عُدنا بالزمن إلى العام 300 ميلادي.

منذ 1700 سنة، كانت الأرض أكثر بردًا وأقل حرارة ورطوبة وتلوُّثًا من الآن. بينما كنا نزيل كل عناصر المدينة الحالية، تفاجأنا بأن ملامح المدينة القديمة لاتزال واضحة اليوم. كان من المُدهش أن نرى السماء الواسعة التي كان يستطيع المقيمون القدماء في المدينة أن يرونها.

كنّا قد قمنا بأرشفة نتائج معايناتنا للأعمدة، وباستخدام الأعمدة والأحجار من الأرشيف، قام الأطفال ببناء منزلاً في الموقع.

في مَنشِن في زقاق البلاط، استخدمنا صورة سماء في وقت غروب الشمس كخلفية للموقع الذي أعدنا تكوينه، وقمنا بإسقاطه باستخدام البروجكتر على شاشة كبيرة. استخدم الأطفال هذا الإسقاط ليتخيّلوا أنهم يدخلون هذا المنزل الذي بَنَوه. وفي داخله، تحت شعاع الشمس التي تغرُب، بدؤوا يرقصون على موسيقى أغنية <محمد رمضان> ”بوم بوم بوم، رايحين نِسهَر“ التي أهدوها لِـ <محمد> سائقنا العزيز في حُرشنا.